Rabu, 22 Januari 2014

Dalil Peringatan Maulid Nabi Muhammad SAW

 أدلة جواز الإحتفال بالمولد النبوي الشريف 


أولا : من القرآن الكريم (7) 


[إن الفرح به صلى الله عليه وسلم مطلوب بأمر القرآن من قوله : { قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } [ يونس : 58 ] فالله تعالى أمرنا أن نفرح بالرحمة ، والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم رحمة ، قال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }[الأنبياء (107)] ويؤيد هذا تفسير حبر الأمة وترجمان القرآن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في الآية قال : 

(فضل الله العلم ، ورحمته محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) اهـ فالفرح به صلى الله عليه وسلم مطلوب في كل وقت وفي كل نعمة ، وعند كل فضل ، ولكنه يتأكد في كل يوم إثنين وفي كل عام في شهر ربيع الأول لقوة المناسبة وملاحظة الوقت ، ومعلوم أنه لا يغفل عن المناسبة ويعرض عنها في وقتها إلا من لا بصيرة له .] (8) 


ثانيا : من السنة 


1- [ إن أول الناس إحتفالاً بمولد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام هو الرسول الكريم نفسه صلى الله عليه وسلم . ويدل على هذا ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في باب الصيام عن رواية سيدنا أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الإثنين فقال : ( ذلك يوم ولدت فيه وأنزل عليّ فيه ) فهذا الحديث يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الإثنين لأنه ولد فيه ونبئ فيه ويدل فعله صلى الله عليه وسلم على أنه ينبغي أن يُهتم بمثل هذا اليوم بفعل عبادة شكراً لله من صيام أو ما يستطيعه الفرد من أي عبادة وفعل لا يمنعه الشارع .] (9) 


2- [الإحتفال بالمولد الشريف تعبير عن الفرح والسرور بالمصطفى صلى الله عليه وسلم وقد انتفع به الكافر . فقد روى الإمام البخاري تعليقاً ونقله الحافظ ابن حجر في (الفتح) ورواه عبد الرزاق الصنعاني في (المصنف 7 / 478) والحافظ البيهقي في (الدلائل ) وابن كثير في (البداية والنهاية 1 / 224 ) وابن الديبع الشيباني في (حدائق الأنوار 1 / 134 ) والحافظ البغوي في شرح السنة (9 / 76 ) وابن هشام والسهيلي في (الروض الأنف 5 / 192 ) والعامري في ( بهجة المحافل 1 / 41) وغيرهم وهذه الرواية وإن كانت مرسلة إلا أنها مقبولة لأجل نقل البخاري لها وإعتماد العلماء من الحفاظ ولكونها في المناقب والخصائص لا في الحلال والحرام . 


وطلاب العلم يعرفون الفرق في الإستدلال بالحديث بين المناقب والأحكام . 


روى الإمام البخاري تعليق أن سيدنا العباس رضي الله عنه وأرضاه رأى أخاه أبا لهب بعد موته في النوم فقال له ما حالك فقال في النار إلا أنه خفف عني كل ليلة إثنين وأسقى من بين إصبعي هاتين ماء فأشار إلى رأس إصبعيه وإن ذلك بإعتاق ثويبة عندما بشرتني بولادة محمد وبإرضاعها له . 


وقد قال العلامة الحافظ شمس الدين بن الجزري في عرف التعريف بالمولد الشريف بعد ذكره قصة أبي لهب مع ثويبة : 


فإذا كان هذا أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم فما حال المسلم الموحد من أمته عليه السلام ، يسر ويفرح بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته صلى الله عليه وسلم ؟ لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله العميم جنات النعيم . وعلق الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي على هذا الحديث حيث قال : 


إذا كان هذا كافراً جاء ذمه وتبت يداه في الجحيم مخلدا 

أتى أنه في يوم الإثنين دائماً يخفف عنه للسرور بأحمدا 

فما الظن بالعبد الذي طول عمره بأحمد مسروراً ومات موحدا 


وحديث سيدنا العباس رؤيا حق وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل لرؤيا الحق إعتباراً خاصاً في التشريع حيث شرع الآذان موافقة لرؤيا رآها أحد الصحابة في منامه . 


وهذه الرؤيا كانت في زمن كله صحابة ، فلم نسمع بأحد منهم قال : إنها أضغاث أحلام بل يعتبر هذا إجماعاً سكوتياً على كل ما فيها ، ولم ينكرها أحد منهم بعد وفاته وقد تداولها التابعون بالقبول والإستحسان ولم نسمع بأحد منهم اعترض عليها إلى يومنا هذا . 


وأما من قال : إن الرائي والمخبر هو العباس في حال الكفر ، والكفار لا تسمع شهادتهم ولا تقبل أخبارهم ، فإن هذا قول مردود ، لا رائحة للعلم فيه ، وهو باطل ، ذلك لأنه لم يقل أحد إن الرؤيا من باب الشهادة مطلقاً ، وإنما هي بشارة لا غير فلا يشترط فيها دين ولا إيمان ، بل ذكر الله تعالى في القرآن معجزة يوسف عليه السلام عن رؤيا ملك مصر وهو وثني لا يعرف ديناً سماوياً مطلقاً، ومع ذلك جعل الله تعالى رؤيته المنامية من دلائل نبوة يوسف عليه السلام وفضله وقرنها بقصته ولو كان ذلك لا يدل على شيء لما ذكرها الله تعالى لأنها رؤيا مشرك وثني لا فائدة فيها لا في التأييد ولا في الإنكار . 


ولهذا ذكر العلماء أن الكافر يرى الله تعالى في المنام ويرى في ذلك ما فيه إنذار له وتوبيخ وتقريع.


والعجب كل العجب من قول قائل : إن العباس رأى ذلك في حال كفره والكفار لا تسمع شهادتهم ولا تقبل أخبارهم ، فإن هذا القول يدل على عدم المعرفة بعلم الحديث إذا المقرر في المصطلح أن الصحابي أو غيره إذا تحمل الحديث في حال كفره ثم روى ذلك بعد إسلامه ، أخذ ذلك عنه ، وعمل به ، وانظر أمثلة ذلك في كتب المصطلح لتعرف بعد صاحب هذا القول عن العلم ، وإنما الهوى هو الذي حمل المعترض على الدخول فيما لا يتقنه .] (10) 


3 - روى الإمام مسلم في صحيحه ( 5 / 198 ) عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء] اهـ 


وفي هذا الحديث الشريف نرى أن النبي ﷺ قد سمى بدعة الهدى سنة ووعد فاعلها أجرا ، ويظهر لنا أنه يسن للمسلم أن يأتي بسنة حسنة وإن لم يفعلها الرسول ﷺ من أجل زيادة الخير والأجر ومعنى سنّ سنة أي أنشأها بإجتهاد وإستنباط من قواعد الشرع أو عموم نصوصه ، وأي سنة أعظم من الإحتفال ببروز هذا النبي ﷺ  نبي الرحمة في ذلك اليوم. 


ثالثاً : من القياس 


قال الإمام الحا فظ العلامة جلال الدين السيوطي : (11) 


[وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن حجر-العسقلاني- عن عمل المولد فأجاب بما نصه : 


أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا . 


قال : وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا هو يوم أغرق الله فيه فرعون نجى موسى فنحن نصومه شكراً لله تعالى فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي ﷺ نبي الرحمة في ذلك اليوم وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة سيدنا موسى عليه السلام في يوم عاشوراء ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة وفيه ما فيه : فهذا ما يتعلق بأصل عمله. 


وأما ما يعمل فيه فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال ما كان من ذلك مباحاً بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به وما كان حراماً أو مكروهاً فيمنع وكذا ما كان خلاف الأولى انتهى. 


قلت : 


وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر وهو : ما أخرجه البيهقي عن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم عقَّ عن نفسه بعد النبوة مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع ولادته والعقيقة لا تعاد مرة ثانية فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين وتشريع لأمته كما كان يصلي على نفسه لذلك فيستحب لنا أيضاً إظهار الشكر بمولده بالإجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات .] انتهى كلام الإمام السيوطي . 


أسماء بعض الأئمة الذين أفتوا بجواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف:


- الإمام الحافظ شيخ الإسلام "أحمد بن حجر العسقلاني" كما أورد ذلك الإمام السيوطي في "فتوى حسن المقصد" مذكورة في كتاب "الحاوي للفتاوى" )[1 / 181 :189 ]. 

- الإمام الحافظ "جلال الدين السيوطي" كما ورد في الفتوى المشار إليها سابقا . 


- الإمام "عبد الله ابن الحاج" كما ذكر الإمام السيوطي في فتواه المشار إليها . 


- الحافظ السخاوي نقل عنه الإمام "ملا علي القاري "في كتابه"المورد الروي "صـ307 أنه قال (بل خرج شيخ مشايخ الإسلام العلامة أبو الفضل ابن حجر-العسقلاني-الأستاذ المعتبر تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته فعل المولد على أصل ثابت يميل إلى الإستناد إليه كل همام..... الخ ) اهـ وقد سبق ذكر هذا الأصل . 


- الإمام الحافظ "القسطلاني"في كتابه"المواهب اللدنية"ج1/ صـ148 


- الإمام خاتمة المحدثين "الزرقاني" في شرحه على "المواهب اللدنية" 


- الإمام الحافظ ابن شامة في كتابه [الباعث على إنكار البدع (1 / 23 ، 24 ) ] . 


- الإمام شيخ الإسلام "ابن حجر الهيتمي المكي" في كتابه "الفتاوى الحديثية"صـ 202 حيث أجاز الاحتفال بالموالد التي تشتمل على خير كصدقة وذكر وصلاة وسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدحه وأن تخلو من الشرور ، آي أنه يقول بمشروعية الاحتفال وجوازه. 


أسماء بعض الأئمة الذين لم يكتفوا بإجازتهم الإحتفال ولكن ألفوا موالد – أي نظماً من الشعر أو النثر يروي هذه الذكرى العطرة : 


- الإمام الحافظ "ابن دحية " كما أورد الإمام السيوطي في فتوى حسن المقصد في عمل المولد . 


- الإمام شيخ القراء "الحافظ شمس الدين الجزري له مولد اسمه "عرف التعريف بالمولد الشريف" وذكره الإمام السيوطي في فتواه . 


- الإمام الحافظ "ابن ناصر الدمشقي" له مولد اسمه "مورد الصادي في مولد الهادي" وقد ذكره الإمام السيوطي في الفتوى وانظر أيضا كتاب"كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون"صـ319 . 


- العلامة المحدث الفقيه"ملا علي القاري" له مولد اسمه "المولد الروي في المولد النبوي" طبع في مصر بمطبعة السعادة عام 1980مـ . 


- الإمام الحافظ "أبى الفرج بن الجوزي" له مولد مشهور يسمى العروس طبع عدة مرات . 


- الإمام الحافظ "العراقي" له مولد أسماه (المورد الهني في المولد السني) وقد ذكره ضمن مؤلفاته الحافظ ابن فهد في ذيله على "التذكرة" . 


- الإمام الحافظ "السخاوي" صنف مولداً نبوياً سماه "الفخر العلوي في المولد النبوي" ذكره في كتابه الضوء اللامع "ج8 صـ18 " . 


- الإمام الحافظ "عبد الرءوف المناوي"له مؤلف في المولد مشهور مطبوع متداول "بمولد المناوي" انظر كتاب "البراهين الجلية"صـ36 . 


أول من احتفل بالمولد النبوي الشريف إحتفالاً رسمياً 


[وأول من أحدث فعل ذلك صاحب أربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد وكان له آثار حسنة وهو الذي عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون . 


قال ابن كثير في تاريخه : 


كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به إحتفالاً هائلاً وكان شهماً شجاعاً بطلاً عاقلاً عالماً عادلاً رحمه الله وأكرم مثواه، قال وقد صنف له الشيخ أبو الخطاب بن دحية مجلداً في المولد النبوي سماه (التنوير في مولد البشير النذير) فأجازه على ذلك بألف دينار، وقد طالت مدته في الملك إلى أن مات وهو محاصر للفرنج بمدينة عكا سنة ثلاثين وستمائة محمود السيرة والسريرة . 


وقال سبط بن الجوزي في مرآة الزمان: 


حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد أنه عد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس غنم شوي وعشرة آلاف دجاجة ومائة فرس ومائة ألف زبدية وثلاثين ألف صحن حلوى، قال وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية فيخلع عليهم ويطلق لهم ويعمل للصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم وكان يصرف على المولد في كل سنة ثلاث مائة ألف دينار وكانت له دار ضيافة للوافدين من أي جهة على أي صفة فكان يصرف على هذه الدار في كل سنة مائة ألف دينار وكان يستفك من الفرنج في كل سنة أسارى بمائتي ألف دينار وكان يصرف على الحرمين والمياه بدرب الحجاز في كل سنة ثلاثين ألف دينار هذا كله سوى صدقات السر، وحكت زوجته ربيعة خاتون بنت أيوب أخت الملك الناصر صلاح الدين أن قميصه كان من كرباس غليظ لا يساوي خمسة دراهم قالت : فعاتبته في ذلك فقال لبسي ثوباً بخمسة وأتصدق بالباقي خير من أن ألبس ثوباً مثمناً وأدع الفقير والمسكين . 


وقال ابن خلكان في ترجمة الحافظ أبي الخطاب بن دحية : 


كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء قدم من المغرب فدخل الشام والعراق واجتاز بأربل سنة أربع وستمائة فوجد ملكها المعظم مظفر الدين بن زين الدين يعتني بالمولد النبوي فعمل له كتاب التنوير في مولد البشير النذير وقرأه عليه بنفسه فأجازه بألف دينار قال وقد سمعناه على السلطان في ستة مجالس في سنة خمس وعشرين وستمائة انتهى.] (12) 


- وقال الحافظ الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (22/صـ335، 336 ) عن الملك المظفر أبي سعيد كوكبري : 


[ثم اتصل بخدمة السلطان صلاح الدين، وغزا معه، وتمكن منه، وأحبه، وزاده الرها، وزوجه بأخته ربيعة واقفة الصاحبية، وأبان مظفر الدين عن شجاعة يوم حطين، وبين، فوفد أخوه صاحب إربل على صلاح الدين نجدة فتمرض ومات على عكا فأعطى السلطان مظفر الدين إربل وشهرزور، واسترد منه حران والرها. 


وكان محباً للصدقة، له كل يوم قناطير خبز يفرقها، ويكسو في العام خلقاً ويعطيهم ديناراً ودينارين، وبنى أربع خوانك للزمنى، والأضراء، وكان يأتيهم كل إثنين وخميس ويسأل كل واحد عن حاله ويتفقده ويباسطه ويمزح معه. 


وبنى داراً للنساء، وداراً للأيتام، وداراً للقطاء، ورتب بها المراضع. 


وكان يدور على مرضى البيمارستان، وله دار مضيف ينزلها كل وارد، ويعطي كل ما ينبغي له. 

وبنى مدرسة للشافعية والحنفية وكان يمد بها السماط، ويحضر السماع كثيراً، لم يكن له لذة في شئ غيره. وكان يمنع من دخول منكر بلده، وبنى للصوفية رباطين، وكان ينزل إليهم لأجل السماعات. 


وكان في السنة يفتك أسرى بجملة ويخرج سبيلاً للحج، ويبعث للمجاورين بخمسة آلاف دينار، وأجرى الماء إلى عرفات. 


وأما إحتفاله بالمولد فيقصر التعبير عنه، كان الخلق يقصدونه من العراق والجزيرة وتنصب قباب خشب له ولأمرائه وتزين، وفيها جوق المغاني واللعب، وينزل كل يوم العصر فيقف على كل قبة ويتفرج، ويعمل ذلك أياماً، ويخرج من البقر والإبل والغنم شيئاً كثيراً فتنحر وتطبخ الألوان، ويعمل عدة خلع للصوفية، ويتكلم الوعاظ في الميدان، فينفق أمولاً جزيلة. 


وقد جمع له ابن دحية " كتاب المولد " فأعطاه ألف دينار. وكان متواضعاً، خيراً، سنياً، يحب الفقهاء والمحدثين] اهـ 


- وقال الإمام الحافظ أبو شامة في كتابه [الباعث على إنكار البدع (1 / 23 ،24 ) : 


[ومن أحسن ما ابتدع في زماننا من هذا القبيل ما كان يفعل بمدينة أربل جبرها الله تعالى كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء مشعر بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وجلالته في قلب فاعله وشكراً لله تعالى على ما منّ به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم وعلى جميع المرسلين ، وكان أول من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا أحد الصالحين المشهورين وبه اقتدى في ذلك صاحب أربل وغيره رحمهم الله تعالى ]اهـ (13) 


شبهات مردودة 


فإن قال قائل : 


بأن هذا الاحتفال بهذه الطريقة بدعة ، لم يرد فعله بهذه الكيفية عن النبي صلى الله عليه وسلم أو صحابته أو عن أحد من السلف . 


قلنا له : 


إنك بقولك هذا قد بدعت أئمة أعلاماً وعلماءا أجلاء قد سبق النقل عنهم بجواز الإحتفال بالمولد النبوي الشريف ، كالإمام الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني والإمام الحافظ جلال الدين السيوطي والإمام السخاوي والإمام ابن دحية والإمام ابن الجزري والإمام ابن حجر الهيتمي وغيرهم كثير قد سبق النقل عنهم . 


فهل أنت يا هذا أعلم من هؤلاء بعلوم القرآن والسنة ؟! 


وهل أنت يا هذا أقدر من هؤلاء على الإستنباط والأخذ من علوم الشريعة الغراء ؟! 


وهل أنت يا هذا تعرف حدود البدعة والسنة ويجهلها أمثال هؤلاء الأئمة الأعلام ؟! 


فلا والله يا مدعي العلم ما تبلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه ، وليس لك ولأمثالك ممن يقول بقولك هذا من الحق نصيب . 


فاكفف لسانك يا مسكين عن أمثال هؤلاء ، فما بينك وبينهم إلا كما بين الثرى والثريا ، فاعرف قدر نفسك تسلم . 


فإن تماديت في غيك وسولت لك أمارتك بالسوء أن تردد بلا حياء أو إدراك مقولة : [كل يؤخذ منه ويرد ] ، فما لك عندنا بعد الحوقلة والإسترجاع إلا قولنا لك : 

وهل تنتظر من جماهير الأمة أن تأخذ بقولك أنت وأمثالك وترد أقوال هؤلاء الأعلام ؟! 


وإذا لم يجز في زعمكم متابعة الأئمة الأثبات الأعلام كالسيوطي والعسقلاني والهيتمي وغيرهم فمن إذاً يتابع من بعدهم وهم أئمة الدين وعلماء المسلمين والأنجم الساطعة للمذاهب الأربعة التي ارتضتها الأمة على مدى تاريخها الطويل ؟! 


فإن لم تشتفي يا مدعي العلم من هذه الكلمات ، وتعاميت عما سبق سوقه من أدلة من القرآن والسنة وقياس الأئمة الأعلام وما استخرجوه من أصول لجواز الإحتفال ، قلنا لك تنزلا :


قولك ببدعية الإحتفال [كلام غير مسلم لأن البدعة لم تنحصر في الحرام والمكروه بل قد تكون أيضاً مباحة ومندوبة وواجبة . 


قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات : 


البدعة في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة . 


وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في القواعد : 


البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة قال والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة فإذا دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة أو في قواعد التحريم فهي محرمة أو الندب فمندوبة أو المكروه فمكروهة أو المباح فمباحة، وذكر لكل قسم من هذه الخمسة أمثلة إلى أن قال وللبدع المندوبة أمثلة: 


منها إحداث الربط والمدارس وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول ومنها التراويح والكلام في دقائق التصوف وفي الجدل، ومنها جمع المحافل للإستدلال في المسائل إن قصد بذلك وجه الله تعالى . 


وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي عن الشافعي قال : 


المحدثات من الأمور ضربان : 


أحدهما : ما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً فهذه البدعة الضلالة . 

والثاني : ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة، وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان (( نعمت البدعة هذه )) يعني أنها محدثة لم تكن وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى : هذا آخر كلام الشافعي . 


فبطل بذلك قول القائل ببدعية الإحتفال بالمولد النبوي الشريف لأن هذا القسم مما أحدث وليس فيه مخالفة لكتاب ولا سنة ولا أثر ولا إجماع فهي غير مذمومة كما في عبارة الشافعي وهو من الإحسان الذي لم يعهد في العصر الأول فان إطعام الطعام الخالي عن اقتراف الآثام إحسان فهو من البدع المندوبة كما في عبارة ابن عبد السلام .]اهـ (14) 


ولا يفوتنا في نهاية الرد على هذه الشبهة أن نذكر بأنه بفرض عدم ورود الإحتفال بالمولد النبوي الشريف عن أحد من السلف بهذه الكيفية فإن هذا الترك لا يدل على التحريم كما هو مقرر في علم الأصول . 


[فقد روي في الصحيحين عن خالد بن الوليد أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقيل هو ضب يا رسول الله فرفع يده فقلت : أحرام هو يا رسول الله ؟ فقال لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه قال خالد فاجتررته فأكلته والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر " 


ففي الحديث دليل للقاعدة الأصولية " أن ترك الشيء لا يقتضي تحريمه " قد يقال : سؤال خالد يدل على خلاف القاعدة وهو أن الترك يقتضي التحريم وقد استدل به بعضهم لذلك قال في جوابه "لما رأى خالد إعراض النبي صلى الله عليه وسلم عن الضب بعدما أهوى ليأكل منه حصل عنده شبهة في تحريمه فلذلك سأل وكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم له مؤيداً للقاعدة ومؤكداً لعمومها في أن ترك الشيء ولو بعد الإقبال عليه لا يفيد تحريمه ]اهـ (15) 


- فإن قال قائل : 


قد يحدث في بعض التجمعات للإحتفال بالمولد بعض المخالفات الشرعية من إختلاط أو رفع النساء لأصواتهن بالذكر والإنشاد أو ما شا به ، فيترتب على ذلك مفاسد توجب التحريم لمثل هذه الإحتفالات 


قلنا له : 


[ما سبق هو كلام صحيح في نفسه غير أن التحريم فيه إنما جاء من قبل هذه الأشياء المحرمة التي ضمت إليه لا من حيث الإجتماع لإظهار شعار المولد بل لو وقع مثل هذه الأمور في الإجتماع لصلاة الجمعة مثلاً لكانت قبيحة شنيعة و لا يلزم من ذلك ذم أصل الإجتماع لصلاة الجمعة كما هو واضح وقد رأينا بعض هذه الأمور يقع في ليالي من رمضان عند إجتماع الناس لصلاة التراويح فهل يتصور ذم الإجتماع لأجل هذه الأمور التي قرنت بها كلا بل نقول أصل الإجتماع لصلاة التراويح سنة وقربة وما ضم إليها من هذه الأمور قبيح شنيع وكذلك نقول أصل الإجتماع لإظهار شعار المولد مندوب وقربة وما ضم إليه من هذه الأمور مذموم وممنوع .] اهـ (16) 


- فإن قال قائل : 


أن الشهر الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم وهو ربيع الأول هو بعينه الشهر الذي توفي فيه فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه. 


نقول له : 


[ أولا : أن ولادته صلى الله عليه وسلم أعظم النعم علينا ووفاته أعظم المصائب لنا والشريعة حثت على إظهار شكر النعم والصبر والسلوان والكتم عند المصائب , وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة وهي إظهار شكر وفرح بالمولود و لم يأمر عند الموت بذبح ولا غيره بل نهى عن النياحة وإظهار الجزع فدلت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وسلم دون إظهار الحزن فيه بوفاته . 


وقد قال ابن رجب في كتاب [اللطائف] في ذم الرافضة حيث اتخذوا يوم عاشوراء مأتماً لأجل قتل الحسين : لم يأمر الله ولا رسوله بإتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً فكيف ممن هو دونهم ؟ ] اهـ (17)


انتبه يا أخي : 

المولد سنة حسنة ولا يقال عنه لو كان خيراً لدل الرسول ﷺ أمته عليه : فجمع المُصحف ونقطه وتشكيله عمل خير مع أنه صلى الله عليه وسلم ما نص عليه ولا عَمِلَهُ. فهُؤلاء الذين يمنعون عمل المولد بدعوى أنه لو كان خيراً لدَلَّنا الرسول ﷺ عليه وهم أنفسهم يشتغلون في تشكيل المصحف وتنقيطه يقعون في أحد أمرين: فإما أن يقولوا إن نقط المصحف وتشكيله ليس عمل خير لأن الرسول ﷺ ما فعله ولم يدل الأمة عليه ومع ذلك فنحن نعمله ، وإما أن يقولوا إن نقط المصحف وتشكيله عمل خير لم يفعله الرسول ﷺ ولم يدل الأمة عليه لذلك نحن نعمله . وفي كلا الحالين ناقضوا أنفسهم . 


انتبه يا أخي : 


المولد سنة حسنة وليس داخلاً تحت نهي منه صلى الله عليه وسلم بقوله " مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هَذَا ما لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌ " لأنه صلى الله عليه وسلم أَفْهَمَ بقوله " ما لَيْسَ مِنْهُ " أن الْمُحْدَثَ إنما يكون ردًّا أيْ مَرْدُودًا إذا كان على خلاف الشريعة ، وأن الْمُحْدَثَ الموافق للشريعة ليس مردودا . 


فالرسول لم يقل مَنْ أَحْدَثَ في أمْرِنا هَذا فَهُوَ رَدٌّ بل قيدها بقوله : "ما لَيْسَ مِنْهُ" ليبين لنا أن المحدث إن كان منه ( أي موافقاً للشرع ) فهو مشروع ، وإن لم يكن منه ( أي لم يكن موافقاً للشرع ) فهو ممنوع ولما كان عمل المولد أمراً مشروعاً بالدليل النقلي من قرآن وسنة ثبت أنه ليس بمردود . 


انتبه يا أخي : 


المولد سنة حسنة وليس فيه قدح لصحابته صلى الله عليه وسلم بزعم أن فيه إشارة إلى أننا نحبه أكثر منهم: فالرسول صلى الله عليه وسلم ما جمع القرآن في كتاب واحد بل سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه هو الذي جمعه وسماه المصحف، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة رضي الله عنهم بحجة أن فعله هذا يشير إلى أنه يحب القرآن أكثر من رسول الله صلى الله عليه وسلم. 


ثم أليس العلماء قالوا [المزية لا تقتضي التفضيل ]، فإن كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه جمع القرآن والرسول لم يجمعه في كتاب واحد على هيئته اليوم فهذا لا يعني أنه أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه جمع الناس في صلاة التراويح على إمام واحد وسيدنا أبو بكر لم يفعله فهذا لا يعني أنه أفضل من سيدنا أبي بكر رضي الله عنهما . 


كذلك عمل المولد إن نحن عملناه لكن الصحابة رضي الله عنهم ما عملوه فمجرد هذا لا يعني أننا أفضل منهم ولا أننا نحبه أكثر منهم . 


وصل اللهم وسلم على سيدنا ومولانا محمد خير من صام وقام وركع وسجد والله ولي التوفيق وعليه فليتوكل المؤمنون والحمد لله رب العالمين الفاتحة. 


الهوامش 


(1)- الجمعة : 3. 

(2) - أخرجه البخاري في صحيحه، ج1 ص14، ومسلم في صحيحه ، ج1 ص 76. 

(3) - أخرجه البخاري في صحيحه، ج1 ص14. 

(4) - التوبة:24. 

(5) - أخرجه البخاري في صحيحه، ج6 ص 2445. 

(6) - البيان لما يشغل الأذهان لفضيلة الإمام العلامة الأستاذ الدكتور عليّ جمعة مفتي الديار المصرية ( 1 / 164 ، 165 ) . 

(7) - لتعلم يا أخي رزقني الله وإياك التوفيق أن الأدلة على جواز الإحتفال متوافرة من الكتاب والسنة والقياس عليهما ، ولكن اكتفينا بإيراد ما يفي بالغرض منها دون إستقصائها كاملة طلباً للإيجاز والإختصار إذ هو المقصود من هذه الرسالة . 

(8) - انظر النجوم الزاهرة في جواز الإحتفال بمولد سيد الدنيا والآخرة لفضيلة الشيخ أحمد عبد الباقي ( 48 ، 49 ) . 

(9) - المرجع السابق ( 40 ، 41 ) . 

(10) - المرجع السابق ( 43 – 47 ) . 

(11) - كتاب الحاوي للفتاوي ، فتوى حسن المقصد في عمل المولد ( 1 / 188 ) . 

(12) - المرجع السابق ( 1 / 181 ، 182 ) . 

(13)- نقلا عن كتاب ليلة النصف من شعبان لفضيلة العلامة السيد الشريف الأستاذ الدكتور محمود السيد صبيح ( صـ 109 ) . 

(14) -انظر الحاوي للفتاوي ، فتوى حسن المقصد في عمل المولد ( 1 / 184 ، 185 ). 

(15)- من كتاب " إتقان الصنعة " للحافظ أبى الفضل عبد الله الصديق الغماري ( صـ 9) . 

(16) - انظر الحاوي للفتاوي ، فتوى حسن المقصد في عمل المولد ( 1 / 185 ) . 

(17) - المرجع السابق ( 1 / 185 ).

المراجع 


- البيان لما يشغل الأذهان - فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية

المقطم للنشر والتوزيع – القاهرة – 1426 هـ - 2005 م 

- الحاوي للفتاوي – للإمام العلامة جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي 

دار الكتب العلمية – بيروت – الطبعة الأولى- 1421هـ - 2000م 


- المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج – للإمام الحافظ يحيى بن شرف النووي 

دار البيان العربي – القاهرة – 2006 م 


- النجوم الزاهرة في جواز الاحتفال بمولد سيد الدنيا والآخرة - الشيخ أحمد عبد الباقي 

دار جوامع الكلم – القاهرة – الطبعة الأولى – 1425 هـ - 2004 م 


- البدعة الحسنة أصل من أصول التشريع – دكتور عيسى بن عبد الله بن محمد بن مانع 

دار قرطبة – بيروت – الطبعة الأولى – 1422 هـ - 2001 م 


- ليلة النصف من شعبان – السيد الشريف الأستاذ الدكتور محمود السيد صبيح . 

دار الركن والمقام – القاهرة – الطبعة الأول – 1430هـ - 2009م 


- إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة – للحافظ أبي الفضل عبد الله الصديق الغماري 

مكتبة القاهرة – القاهرة – 1997 م 


- الفتاوى الحديثية – للإمام الحافظ أحمد بن حجر الهيتمي 

دار إحياء التراث العربي – بيروت أدلة جواز الإحتفال بالمولد النبوي الشريف 


أولا : من القرآن الكريم (7) 


[إن الفرح به صلى الله عليه وسلم مطلوب بأمر القرآن من قوله : { قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } [ يونس : 58 ] فالله تعالى أمرنا أن نفرح بالرحمة ، والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم رحمة ، قال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }[الأنبياء (107)] ويؤيد هذا تفسير حبر الأمة وترجمان القرآن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في الآية قال : 

(فضل الله العلم ، ورحمته محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) اهـ فالفرح به صلى الله عليه وسلم مطلوب في كل وقت وفي كل نعمة ، وعند كل فضل ، ولكنه يتأكد في كل يوم إثنين وفي كل عام في شهر ربيع الأول لقوة المناسبة وملاحظة الوقت ، ومعلوم أنه لا يغفل عن المناسبة ويعرض عنها في وقتها إلا من لا بصيرة له .] (8) 


ثانيا : من السنة 


1- [ إن أول الناس إحتفالاً بمولد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام هو الرسول الكريم نفسه صلى الله عليه وسلم . ويدل على هذا ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في باب الصيام عن رواية سيدنا أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الإثنين فقال : ( ذلك يوم ولدت فيه وأنزل عليّ فيه ) فهذا الحديث يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الإثنين لأنه ولد فيه ونبئ فيه ويدل فعله صلى الله عليه وسلم على أنه ينبغي أن يُهتم بمثل هذا اليوم بفعل عبادة شكراً لله من صيام أو ما يستطيعه الفرد من أي عبادة وفعل لا يمنعه الشارع .] (9) 


2- [الإحتفال بالمولد الشريف تعبير عن الفرح والسرور بالمصطفى صلى الله عليه وسلم وقد انتفع به الكافر . فقد روى الإمام البخاري تعليقاً ونقله الحافظ ابن حجر في (الفتح) ورواه عبد الرزاق الصنعاني في (المصنف 7 / 478) والحافظ البيهقي في (الدلائل ) وابن كثير في (البداية والنهاية 1 / 224 ) وابن الديبع الشيباني في (حدائق الأنوار 1 / 134 ) والحافظ البغوي في شرح السنة (9 / 76 ) وابن هشام والسهيلي في (الروض الأنف 5 / 192 ) والعامري في ( بهجة المحافل 1 / 41) وغيرهم وهذه الرواية وإن كانت مرسلة إلا أنها مقبولة لأجل نقل البخاري لها وإعتماد العلماء من الحفاظ ولكونها في المناقب والخصائص لا في الحلال والحرام . 


وطلاب العلم يعرفون الفرق في الإستدلال بالحديث بين المناقب والأحكام . 


روى الإمام البخاري تعليق أن سيدنا العباس رضي الله عنه وأرضاه رأى أخاه أبا لهب بعد موته في النوم فقال له ما حالك فقال في النار إلا أنه خفف عني كل ليلة إثنين وأسقى من بين إصبعي هاتين ماء فأشار إلى رأس إصبعيه وإن ذلك بإعتاق ثويبة عندما بشرتني بولادة محمد وبإرضاعها له . 


وقد قال العلامة الحافظ شمس الدين بن الجزري في عرف التعريف بالمولد الشريف بعد ذكره قصة أبي لهب مع ثويبة : 


فإذا كان هذا أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم فما حال المسلم الموحد من أمته عليه السلام ، يسر ويفرح بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته صلى الله عليه وسلم ؟ لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله العميم جنات النعيم . وعلق الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي على هذا الحديث حيث قال : 


إذا كان هذا كافراً جاء ذمه وتبت يداه في الجحيم مخلدا 

أتى أنه في يوم الإثنين دائماً يخفف عنه للسرور بأحمدا 

فما الظن بالعبد الذي طول عمره بأحمد مسروراً ومات موحدا 


وحديث سيدنا العباس رؤيا حق وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل لرؤيا الحق إعتباراً خاصاً في التشريع حيث شرع الآذان موافقة لرؤيا رآها أحد الصحابة في منامه . 


وهذه الرؤيا كانت في زمن كله صحابة ، فلم نسمع بأحد منهم قال : إنها أضغاث أحلام بل يعتبر هذا إجماعاً سكوتياً على كل ما فيها ، ولم ينكرها أحد منهم بعد وفاته وقد تداولها التابعون بالقبول والإستحسان ولم نسمع بأحد منهم اعترض عليها إلى يومنا هذا . 


وأما من قال : إن الرائي والمخبر هو العباس في حال الكفر ، والكفار لا تسمع شهادتهم ولا تقبل أخبارهم ، فإن هذا قول مردود ، لا رائحة للعلم فيه ، وهو باطل ، ذلك لأنه لم يقل أحد إن الرؤيا من باب الشهادة مطلقاً ، وإنما هي بشارة لا غير فلا يشترط فيها دين ولا إيمان ، بل ذكر الله تعالى في القرآن معجزة يوسف عليه السلام عن رؤيا ملك مصر وهو وثني لا يعرف ديناً سماوياً مطلقاً، ومع ذلك جعل الله تعالى رؤيته المنامية من دلائل نبوة يوسف عليه السلام وفضله وقرنها بقصته ولو كان ذلك لا يدل على شيء لما ذكرها الله تعالى لأنها رؤيا مشرك وثني لا فائدة فيها لا في التأييد ولا في الإنكار . 


ولهذا ذكر العلماء أن الكافر يرى الله تعالى في المنام ويرى في ذلك ما فيه إنذار له وتوبيخ وتقريع.


والعجب كل العجب من قول قائل : إن العباس رأى ذلك في حال كفره والكفار لا تسمع شهادتهم ولا تقبل أخبارهم ، فإن هذا القول يدل على عدم المعرفة بعلم الحديث إذا المقرر في المصطلح أن الصحابي أو غيره إذا تحمل الحديث في حال كفره ثم روى ذلك بعد إسلامه ، أخذ ذلك عنه ، وعمل به ، وانظر أمثلة ذلك في كتب المصطلح لتعرف بعد صاحب هذا القول عن العلم ، وإنما الهوى هو الذي حمل المعترض على الدخول فيما لا يتقنه .] (10) 


3 - روى الإمام مسلم في صحيحه ( 5 / 198 ) عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء] اهـ 


وفي هذا الحديث الشريف نرى أن النبي ﷺ قد سمى بدعة الهدى سنة ووعد فاعلها أجرا ، ويظهر لنا أنه يسن للمسلم أن يأتي بسنة حسنة وإن لم يفعلها الرسول ﷺ من أجل زيادة الخير والأجر ومعنى سنّ سنة أي أنشأها بإجتهاد وإستنباط من قواعد الشرع أو عموم نصوصه ، وأي سنة أعظم من الإحتفال ببروز هذا النبي ﷺ  نبي الرحمة في ذلك اليوم. 


ثالثاً : من القياس 


قال الإمام الحا فظ العلامة جلال الدين السيوطي : (11) 


[وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن حجر-العسقلاني- عن عمل المولد فأجاب بما نصه : 


أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا . 


قال : وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا هو يوم أغرق الله فيه فرعون نجى موسى فنحن نصومه شكراً لله تعالى فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي ﷺ نبي الرحمة في ذلك اليوم وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة سيدنا موسى عليه السلام في يوم عاشوراء ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة وفيه ما فيه : فهذا ما يتعلق بأصل عمله. 


وأما ما يعمل فيه فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال ما كان من ذلك مباحاً بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به وما كان حراماً أو مكروهاً فيمنع وكذا ما كان خلاف الأولى انتهى. 


قلت : 


وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر وهو : ما أخرجه البيهقي عن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم عقَّ عن نفسه بعد النبوة مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع ولادته والعقيقة لا تعاد مرة ثانية فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين وتشريع لأمته كما كان يصلي على نفسه لذلك فيستحب لنا أيضاً إظهار الشكر بمولده بالإجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات .] انتهى كلام الإمام السيوطي . 


أسماء بعض الأئمة الذين أفتوا بجواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف:


- الإمام الحافظ شيخ الإسلام "أحمد بن حجر العسقلاني" كما أورد ذلك الإمام السيوطي في "فتوى حسن المقصد" مذكورة في كتاب "الحاوي للفتاوى" )[1 / 181 :189 ]. 

- الإمام الحافظ "جلال الدين السيوطي" كما ورد في الفتوى المشار إليها سابقا . 


- الإمام "عبد الله ابن الحاج" كما ذكر الإمام السيوطي في فتواه المشار إليها . 


- الحافظ السخاوي نقل عنه الإمام "ملا علي القاري "في كتابه"المورد الروي "صـ307 أنه قال (بل خرج شيخ مشايخ الإسلام العلامة أبو الفضل ابن حجر-العسقلاني-الأستاذ المعتبر تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته فعل المولد على أصل ثابت يميل إلى الإستناد إليه كل همام..... الخ ) اهـ وقد سبق ذكر هذا الأصل . 


- الإمام الحافظ "القسطلاني"في كتابه"المواهب اللدنية"ج1/ صـ148 


- الإمام خاتمة المحدثين "الزرقاني" في شرحه على "المواهب اللدنية" 


- الإمام الحافظ ابن شامة في كتابه [الباعث على إنكار البدع (1 / 23 ، 24 ) ] . 


- الإمام شيخ الإسلام "ابن حجر الهيتمي المكي" في كتابه "الفتاوى الحديثية"صـ 202 حيث أجاز الاحتفال بالموالد التي تشتمل على خير كصدقة وذكر وصلاة وسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدحه وأن تخلو من الشرور ، آي أنه يقول بمشروعية الاحتفال وجوازه. 


أسماء بعض الأئمة الذين لم يكتفوا بإجازتهم الإحتفال ولكن ألفوا موالد – أي نظماً من الشعر أو النثر يروي هذه الذكرى العطرة : 


- الإمام الحافظ "ابن دحية " كما أورد الإمام السيوطي في فتوى حسن المقصد في عمل المولد . 


- الإمام شيخ القراء "الحافظ شمس الدين الجزري له مولد اسمه "عرف التعريف بالمولد الشريف" وذكره الإمام السيوطي في فتواه . 


- الإمام الحافظ "ابن ناصر الدمشقي" له مولد اسمه "مورد الصادي في مولد الهادي" وقد ذكره الإمام السيوطي في الفتوى وانظر أيضا كتاب"كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون"صـ319 . 


- العلامة المحدث الفقيه"ملا علي القاري" له مولد اسمه "المولد الروي في المولد النبوي" طبع في مصر بمطبعة السعادة عام 1980مـ . 


- الإمام الحافظ "أبى الفرج بن الجوزي" له مولد مشهور يسمى العروس طبع عدة مرات . 


- الإمام الحافظ "العراقي" له مولد أسماه (المورد الهني في المولد السني) وقد ذكره ضمن مؤلفاته الحافظ ابن فهد في ذيله على "التذكرة" . 


- الإمام الحافظ "السخاوي" صنف مولداً نبوياً سماه "الفخر العلوي في المولد النبوي" ذكره في كتابه الضوء اللامع "ج8 صـ18 " . 


- الإمام الحافظ "عبد الرءوف المناوي"له مؤلف في المولد مشهور مطبوع متداول "بمولد المناوي" انظر كتاب "البراهين الجلية"صـ36 . 


أول من احتفل بالمولد النبوي الشريف إحتفالاً رسمياً 


[وأول من أحدث فعل ذلك صاحب أربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد وكان له آثار حسنة وهو الذي عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون . 


قال ابن كثير في تاريخه : 


كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به إحتفالاً هائلاً وكان شهماً شجاعاً بطلاً عاقلاً عالماً عادلاً رحمه الله وأكرم مثواه، قال وقد صنف له الشيخ أبو الخطاب بن دحية مجلداً في المولد النبوي سماه (التنوير في مولد البشير النذير) فأجازه على ذلك بألف دينار، وقد طالت مدته في الملك إلى أن مات وهو محاصر للفرنج بمدينة عكا سنة ثلاثين وستمائة محمود السيرة والسريرة . 


وقال سبط بن الجوزي في مرآة الزمان: 


حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد أنه عد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس غنم شوي وعشرة آلاف دجاجة ومائة فرس ومائة ألف زبدية وثلاثين ألف صحن حلوى، قال وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية فيخلع عليهم ويطلق لهم ويعمل للصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم وكان يصرف على المولد في كل سنة ثلاث مائة ألف دينار وكانت له دار ضيافة للوافدين من أي جهة على أي صفة فكان يصرف على هذه الدار في كل سنة مائة ألف دينار وكان يستفك من الفرنج في كل سنة أسارى بمائتي ألف دينار وكان يصرف على الحرمين والمياه بدرب الحجاز في كل سنة ثلاثين ألف دينار هذا كله سوى صدقات السر، وحكت زوجته ربيعة خاتون بنت أيوب أخت الملك الناصر صلاح الدين أن قميصه كان من كرباس غليظ لا يساوي خمسة دراهم قالت : فعاتبته في ذلك فقال لبسي ثوباً بخمسة وأتصدق بالباقي خير من أن ألبس ثوباً مثمناً وأدع الفقير والمسكين . 


وقال ابن خلكان في ترجمة الحافظ أبي الخطاب بن دحية : 


كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء قدم من المغرب فدخل الشام والعراق واجتاز بأربل سنة أربع وستمائة فوجد ملكها المعظم مظفر الدين بن زين الدين يعتني بالمولد النبوي فعمل له كتاب التنوير في مولد البشير النذير وقرأه عليه بنفسه فأجازه بألف دينار قال وقد سمعناه على السلطان في ستة مجالس في سنة خمس وعشرين وستمائة انتهى.] (12) 


- وقال الحافظ الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (22/صـ335، 336 ) عن الملك المظفر أبي سعيد كوكبري : 


[ثم اتصل بخدمة السلطان صلاح الدين، وغزا معه، وتمكن منه، وأحبه، وزاده الرها، وزوجه بأخته ربيعة واقفة الصاحبية، وأبان مظفر الدين عن شجاعة يوم حطين، وبين، فوفد أخوه صاحب إربل على صلاح الدين نجدة فتمرض ومات على عكا فأعطى السلطان مظفر الدين إربل وشهرزور، واسترد منه حران والرها. 


وكان محباً للصدقة، له كل يوم قناطير خبز يفرقها، ويكسو في العام خلقاً ويعطيهم ديناراً ودينارين، وبنى أربع خوانك للزمنى، والأضراء، وكان يأتيهم كل إثنين وخميس ويسأل كل واحد عن حاله ويتفقده ويباسطه ويمزح معه. 


وبنى داراً للنساء، وداراً للأيتام، وداراً للقطاء، ورتب بها المراضع. 


وكان يدور على مرضى البيمارستان، وله دار مضيف ينزلها كل وارد، ويعطي كل ما ينبغي له. 

وبنى مدرسة للشافعية والحنفية وكان يمد بها السماط، ويحضر السماع كثيراً، لم يكن له لذة في شئ غيره. وكان يمنع من دخول منكر بلده، وبنى للصوفية رباطين، وكان ينزل إليهم لأجل السماعات. 


وكان في السنة يفتك أسرى بجملة ويخرج سبيلاً للحج، ويبعث للمجاورين بخمسة آلاف دينار، وأجرى الماء إلى عرفات. 


وأما إحتفاله بالمولد فيقصر التعبير عنه، كان الخلق يقصدونه من العراق والجزيرة وتنصب قباب خشب له ولأمرائه وتزين، وفيها جوق المغاني واللعب، وينزل كل يوم العصر فيقف على كل قبة ويتفرج، ويعمل ذلك أياماً، ويخرج من البقر والإبل والغنم شيئاً كثيراً فتنحر وتطبخ الألوان، ويعمل عدة خلع للصوفية، ويتكلم الوعاظ في الميدان، فينفق أمولاً جزيلة. 


وقد جمع له ابن دحية " كتاب المولد " فأعطاه ألف دينار. وكان متواضعاً، خيراً، سنياً، يحب الفقهاء والمحدثين] اهـ 


- وقال الإمام الحافظ أبو شامة في كتابه [الباعث على إنكار البدع (1 / 23 ،24 ) : 


[ومن أحسن ما ابتدع في زماننا من هذا القبيل ما كان يفعل بمدينة أربل جبرها الله تعالى كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء مشعر بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وجلالته في قلب فاعله وشكراً لله تعالى على ما منّ به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم وعلى جميع المرسلين ، وكان أول من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا أحد الصالحين المشهورين وبه اقتدى في ذلك صاحب أربل وغيره رحمهم الله تعالى ]اهـ (13) 


شبهات مردودة 


فإن قال قائل : 


بأن هذا الاحتفال بهذه الطريقة بدعة ، لم يرد فعله بهذه الكيفية عن النبي صلى الله عليه وسلم أو صحابته أو عن أحد من السلف . 


قلنا له : 


إنك بقولك هذا قد بدعت أئمة أعلاماً وعلماءا أجلاء قد سبق النقل عنهم بجواز الإحتفال بالمولد النبوي الشريف ، كالإمام الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني والإمام الحافظ جلال الدين السيوطي والإمام السخاوي والإمام ابن دحية والإمام ابن الجزري والإمام ابن حجر الهيتمي وغيرهم كثير قد سبق النقل عنهم . 


فهل أنت يا هذا أعلم من هؤلاء بعلوم القرآن والسنة ؟! 


وهل أنت يا هذا أقدر من هؤلاء على الإستنباط والأخذ من علوم الشريعة الغراء ؟! 


وهل أنت يا هذا تعرف حدود البدعة والسنة ويجهلها أمثال هؤلاء الأئمة الأعلام ؟! 


فلا والله يا مدعي العلم ما تبلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه ، وليس لك ولأمثالك ممن يقول بقولك هذا من الحق نصيب . 


فاكفف لسانك يا مسكين عن أمثال هؤلاء ، فما بينك وبينهم إلا كما بين الثرى والثريا ، فاعرف قدر نفسك تسلم . 


فإن تماديت في غيك وسولت لك أمارتك بالسوء أن تردد بلا حياء أو إدراك مقولة : [كل يؤخذ منه ويرد ] ، فما لك عندنا بعد الحوقلة والإسترجاع إلا قولنا لك : 

وهل تنتظر من جماهير الأمة أن تأخذ بقولك أنت وأمثالك وترد أقوال هؤلاء الأعلام ؟! 


وإذا لم يجز في زعمكم متابعة الأئمة الأثبات الأعلام كالسيوطي والعسقلاني والهيتمي وغيرهم فمن إذاً يتابع من بعدهم وهم أئمة الدين وعلماء المسلمين والأنجم الساطعة للمذاهب الأربعة التي ارتضتها الأمة على مدى تاريخها الطويل ؟! 


فإن لم تشتفي يا مدعي العلم من هذه الكلمات ، وتعاميت عما سبق سوقه من أدلة من القرآن والسنة وقياس الأئمة الأعلام وما استخرجوه من أصول لجواز الإحتفال ، قلنا لك تنزلا :


قولك ببدعية الإحتفال [كلام غير مسلم لأن البدعة لم تنحصر في الحرام والمكروه بل قد تكون أيضاً مباحة ومندوبة وواجبة . 


قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات : 


البدعة في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة . 


وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في القواعد : 


البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة قال والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة فإذا دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة أو في قواعد التحريم فهي محرمة أو الندب فمندوبة أو المكروه فمكروهة أو المباح فمباحة، وذكر لكل قسم من هذه الخمسة أمثلة إلى أن قال وللبدع المندوبة أمثلة: 


منها إحداث الربط والمدارس وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول ومنها التراويح والكلام في دقائق التصوف وفي الجدل، ومنها جمع المحافل للإستدلال في المسائل إن قصد بذلك وجه الله تعالى . 


وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي عن الشافعي قال : 


المحدثات من الأمور ضربان : 


أحدهما : ما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً فهذه البدعة الضلالة . 

والثاني : ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة، وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان (( نعمت البدعة هذه )) يعني أنها محدثة لم تكن وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى : هذا آخر كلام الشافعي . 


فبطل بذلك قول القائل ببدعية الإحتفال بالمولد النبوي الشريف لأن هذا القسم مما أحدث وليس فيه مخالفة لكتاب ولا سنة ولا أثر ولا إجماع فهي غير مذمومة كما في عبارة الشافعي وهو من الإحسان الذي لم يعهد في العصر الأول فان إطعام الطعام الخالي عن اقتراف الآثام إحسان فهو من البدع المندوبة كما في عبارة ابن عبد السلام .]اهـ (14) 


ولا يفوتنا في نهاية الرد على هذه الشبهة أن نذكر بأنه بفرض عدم ورود الإحتفال بالمولد النبوي الشريف عن أحد من السلف بهذه الكيفية فإن هذا الترك لا يدل على التحريم كما هو مقرر في علم الأصول . 


[فقد روي في الصحيحين عن خالد بن الوليد أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقيل هو ضب يا رسول الله فرفع يده فقلت : أحرام هو يا رسول الله ؟ فقال لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه قال خالد فاجتررته فأكلته والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر " 


ففي الحديث دليل للقاعدة الأصولية " أن ترك الشيء لا يقتضي تحريمه " قد يقال : سؤال خالد يدل على خلاف القاعدة وهو أن الترك يقتضي التحريم وقد استدل به بعضهم لذلك قال في جوابه "لما رأى خالد إعراض النبي صلى الله عليه وسلم عن الضب بعدما أهوى ليأكل منه حصل عنده شبهة في تحريمه فلذلك سأل وكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم له مؤيداً للقاعدة ومؤكداً لعمومها في أن ترك الشيء ولو بعد الإقبال عليه لا يفيد تحريمه ]اهـ (15) 


- فإن قال قائل : 


قد يحدث في بعض التجمعات للإحتفال بالمولد بعض المخالفات الشرعية من إختلاط أو رفع النساء لأصواتهن بالذكر والإنشاد أو ما شا به ، فيترتب على ذلك مفاسد توجب التحريم لمثل هذه الإحتفالات 


قلنا له : 


[ما سبق هو كلام صحيح في نفسه غير أن التحريم فيه إنما جاء من قبل هذه الأشياء المحرمة التي ضمت إليه لا من حيث الإجتماع لإظهار شعار المولد بل لو وقع مثل هذه الأمور في الإجتماع لصلاة الجمعة مثلاً لكانت قبيحة شنيعة و لا يلزم من ذلك ذم أصل الإجتماع لصلاة الجمعة كما هو واضح وقد رأينا بعض هذه الأمور يقع في ليالي من رمضان عند إجتماع الناس لصلاة التراويح فهل يتصور ذم الإجتماع لأجل هذه الأمور التي قرنت بها كلا بل نقول أصل الإجتماع لصلاة التراويح سنة وقربة وما ضم إليها من هذه الأمور قبيح شنيع وكذلك نقول أصل الإجتماع لإظهار شعار المولد مندوب وقربة وما ضم إليه من هذه الأمور مذموم وممنوع .] اهـ (16) 


- فإن قال قائل : 


أن الشهر الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم وهو ربيع الأول هو بعينه الشهر الذي توفي فيه فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه. 


نقول له : 


[ أولا : أن ولادته صلى الله عليه وسلم أعظم النعم علينا ووفاته أعظم المصائب لنا والشريعة حثت على إظهار شكر النعم والصبر والسلوان والكتم عند المصائب , وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة وهي إظهار شكر وفرح بالمولود و لم يأمر عند الموت بذبح ولا غيره بل نهى عن النياحة وإظهار الجزع فدلت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وسلم دون إظهار الحزن فيه بوفاته . 


وقد قال ابن رجب في كتاب [اللطائف] في ذم الرافضة حيث اتخذوا يوم عاشوراء مأتماً لأجل قتل الحسين : لم يأمر الله ولا رسوله بإتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً فكيف ممن هو دونهم ؟ ] اهـ (17)


انتبه يا أخي : 

المولد سنة حسنة ولا يقال عنه لو كان خيراً لدل الرسول ﷺ أمته عليه : فجمع المُصحف ونقطه وتشكيله عمل خير مع أنه صلى الله عليه وسلم ما نص عليه ولا عَمِلَهُ. فهُؤلاء الذين يمنعون عمل المولد بدعوى أنه لو كان خيراً لدَلَّنا الرسول ﷺ عليه وهم أنفسهم يشتغلون في تشكيل المصحف وتنقيطه يقعون في أحد أمرين: فإما أن يقولوا إن نقط المصحف وتشكيله ليس عمل خير لأن الرسول ﷺ ما فعله ولم يدل الأمة عليه ومع ذلك فنحن نعمله ، وإما أن يقولوا إن نقط المصحف وتشكيله عمل خير لم يفعله الرسول ﷺ ولم يدل الأمة عليه لذلك نحن نعمله . وفي كلا الحالين ناقضوا أنفسهم . 


انتبه يا أخي : 


المولد سنة حسنة وليس داخلاً تحت نهي منه صلى الله عليه وسلم بقوله " مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هَذَا ما لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌ " لأنه صلى الله عليه وسلم أَفْهَمَ بقوله " ما لَيْسَ مِنْهُ " أن الْمُحْدَثَ إنما يكون ردًّا أيْ مَرْدُودًا إذا كان على خلاف الشريعة ، وأن الْمُحْدَثَ الموافق للشريعة ليس مردودا . 


فالرسول لم يقل مَنْ أَحْدَثَ في أمْرِنا هَذا فَهُوَ رَدٌّ بل قيدها بقوله : "ما لَيْسَ مِنْهُ" ليبين لنا أن المحدث إن كان منه ( أي موافقاً للشرع ) فهو مشروع ، وإن لم يكن منه ( أي لم يكن موافقاً للشرع ) فهو ممنوع ولما كان عمل المولد أمراً مشروعاً بالدليل النقلي من قرآن وسنة ثبت أنه ليس بمردود . 


انتبه يا أخي : 


المولد سنة حسنة وليس فيه قدح لصحابته صلى الله عليه وسلم بزعم أن فيه إشارة إلى أننا نحبه أكثر منهم: فالرسول صلى الله عليه وسلم ما جمع القرآن في كتاب واحد بل سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه هو الذي جمعه وسماه المصحف، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة رضي الله عنهم بحجة أن فعله هذا يشير إلى أنه يحب القرآن أكثر من رسول الله صلى الله عليه وسلم. 


ثم أليس العلماء قالوا [المزية لا تقتضي التفضيل ]، فإن كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه جمع القرآن والرسول لم يجمعه في كتاب واحد على هيئته اليوم فهذا لا يعني أنه أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه جمع الناس في صلاة التراويح على إمام واحد وسيدنا أبو بكر لم يفعله فهذا لا يعني أنه أفضل من سيدنا أبي بكر رضي الله عنهما . 


كذلك عمل المولد إن نحن عملناه لكن الصحابة رضي الله عنهم ما عملوه فمجرد هذا لا يعني أننا أفضل منهم ولا أننا نحبه أكثر منهم . 


وصل اللهم وسلم على سيدنا ومولانا محمد خير من صام وقام وركع وسجد والله ولي التوفيق وعليه فليتوكل المؤمنون والحمد لله رب العالمين الفاتحة. 


الهوامش 


(1)- الجمعة : 3. 

(2) - أخرجه البخاري في صحيحه، ج1 ص14، ومسلم في صحيحه ، ج1 ص 76. 

(3) - أخرجه البخاري في صحيحه، ج1 ص14. 

(4) - التوبة:24. 

(5) - أخرجه البخاري في صحيحه، ج6 ص 2445. 

(6) - البيان لما يشغل الأذهان لفضيلة الإمام العلامة الأستاذ الدكتور عليّ جمعة مفتي الديار المصرية ( 1 / 164 ، 165 ) . 

(7) - لتعلم يا أخي رزقني الله وإياك التوفيق أن الأدلة على جواز الإحتفال متوافرة من الكتاب والسنة والقياس عليهما ، ولكن اكتفينا بإيراد ما يفي بالغرض منها دون إستقصائها كاملة طلباً للإيجاز والإختصار إذ هو المقصود من هذه الرسالة . 

(8) - انظر النجوم الزاهرة في جواز الإحتفال بمولد سيد الدنيا والآخرة لفضيلة الشيخ أحمد عبد الباقي ( 48 ، 49 ) . 

(9) - المرجع السابق ( 40 ، 41 ) . 

(10) - المرجع السابق ( 43 – 47 ) . 

(11) - كتاب الحاوي للفتاوي ، فتوى حسن المقصد في عمل المولد ( 1 / 188 ) . 

(12) - المرجع السابق ( 1 / 181 ، 182 ) . 

(13)- نقلا عن كتاب ليلة النصف من شعبان لفضيلة العلامة السيد الشريف الأستاذ الدكتور محمود السيد صبيح ( صـ 109 ) . 

(14) -انظر الحاوي للفتاوي ، فتوى حسن المقصد في عمل المولد ( 1 / 184 ، 185 ). 

(15)- من كتاب " إتقان الصنعة " للحافظ أبى الفضل عبد الله الصديق الغماري ( صـ 9) . 

(16) - انظر الحاوي للفتاوي ، فتوى حسن المقصد في عمل المولد ( 1 / 185 ) . 

(17) - المرجع السابق ( 1 / 185 ).

المراجع 


- البيان لما يشغل الأذهان - فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية

المقطم للنشر والتوزيع – القاهرة – 1426 هـ - 2005 م 

- الحاوي للفتاوي – للإمام العلامة جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي 

دار الكتب العلمية – بيروت – الطبعة الأولى- 1421هـ - 2000م 


- المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج – للإمام الحافظ يحيى بن شرف النووي 

دار البيان العربي – القاهرة – 2006 م 


- النجوم الزاهرة في جواز الاحتفال بمولد سيد الدنيا والآخرة - الشيخ أحمد عبد الباقي 

دار جوامع الكلم – القاهرة – الطبعة الأولى – 1425 هـ - 2004 م 


- البدعة الحسنة أصل من أصول التشريع – دكتور عيسى بن عبد الله بن محمد بن مانع 

دار قرطبة – بيروت – الطبعة الأولى – 1422 هـ - 2001 م 


- ليلة النصف من شعبان – السيد الشريف الأستاذ الدكتور محمود السيد صبيح . 

دار الركن والمقام – القاهرة – الطبعة الأول – 1430هـ - 2009م 


- إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة – للحافظ أبي الفضل عبد الله الصديق الغماري 

مكتبة القاهرة – القاهرة – 1997 م 


- الفتاوى الحديثية – للإمام الحافظ أحمد بن حجر الهيتمي 

دار إحياء التراث العربي – بيروت

Tidak ada komentar:

Posting Komentar

Terima-kasih atas kunjungan sobat. Silahkan berikan komentar anda (saran, pertanyaan, ataupun kritikan) untuk kemajuan blog ini dengan bahasa yang sopan.